إن الناظر المتأمل في تاريخ التصوف والصوفية يرى أنه مر بمرحلتين في النشأة الأولى له: أولها: تلك المرحلة التي استغرقت القرنين الأولين وغلب فيها الزهد والخوف الشديد من الله تعالى، وفيها كان التصوف بمعني الزهد والعبادة والتمسك بكتاب الله تعالى وسنة رسوله . وكانت سمات تلك المرحلة أنها تتميز بالزهد بمعناه الصافي الذي لم يتلوث بالمعاني الفلسفية التي دخلت على التصوف بعد ذلك. وامتاز منهج المتقدمين في هذه المرحلة بالتعويل على الكتاب والسنة، واعتبارهما مصدري التلقي والاستدلال الوحيدين، ولم يدخل في تلك المرحلة سوى التقيد بأحكام القرآن والسنة، ويروى عن الزهاد والصوفية في تلك المرحلة نصوص كثيرة تؤيد منهجهم في ذلك؛ فمن ذلك ما قاله أبو القاسم الجنيد(ت 298هـ):" مذهبنا هذا مقيد بالأصول الكتاب والسنة "( )، وقال أيضًا: " علمنا منوط بالكتاب والسنة من لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدى به "( ). وقال أبو سليمان الداراني (140ه /215هـ):" ربما تقع في نفسي النكتة من نكت القوم أيامًا فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين الكتاب والسنة "( )، وقال سهل بن عبدالله التستري:" مذهبنا مبني على ثلاثة أصول:" الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، في الأخلاق والأفعال، والأكل من الحلال، وإخلاص النية في جميع الأعمال" ( ). ولا نغفل القول بأن ثمة جوانب في هذه المرحلة انتقدها العلماء على الصوفية المتقدمين، كقلة الاهتمام بالعلم تعلمًا وتعليمًا، وتحريمهم الطيبات على أنفسهم من المطعم والملبس بل وحتى النساء كما ذكرنا، وقد كان النبي صلى الله وسلم يأكل اللحم ويحب الحلوى، وحُبب إليه من الدنيا الطيب