الإمام ابن الفرس ـ رحمه الله سيرته وآثاره وعصره

والعلماء هم ورثة الأنبياء، تفضل الله عليهم فعلمهم الكتاب والحكمة، وفقههم فى الدين، وعلمهم التأويل، وفضلهم على سائر المؤمنين، وذلك فى كل زمان وأوان، رفعهم بالعلم ، وزينهم بالحلم، بهم يعرف الحلال من الحرام، والحق من الباطل، والضار من النافع، والحسن من القبيح، هم ورثة الأنبياء، وقرة عين الأولياء، الحيتان لهم تستغفر، والملائكة بأجنحتها لهم تخضع، والعلماء فى يوم القيامة بعد الأنبياء تشفع، مجالسهم تفيد الحكمة، وبأعمالهم ينزجر أهل الغفلة .
هم أفضل من العُباد، وأعلى درجةً من الزُهاد، فهم سراج العباد، ومنار البلاد، حياتهم غنيمة، وموتهم مصيبة، جميع الخلق إلى علمهم محتاج، والصحيح على من خالف بقولهم محجاج، فهم قوام الأمة وينابيع الحكمة، وغيظ الشيطان، مثلهم فى الأرض كمثل النجوم فى السماء، يهتدى بها فى ظلمات البر والبحر، إذا انطمست النجوم تحيروا، وإذا أسفر عنها الظلام أبصروا .
ومن هؤلاء العلماء الربانيين، والأئمة المجددين علم من أعلام المالكية فى بلاد الأندلس: الإمام المفسر، والفقيه الأصولي، والمدقق النحوى أبو محمد عبدالمنعم بن عبدالرحيم المعروف بابن الفرس ـ رحمه الله ـ الذى أحيا الله به السنة ونصر به الملة ، والذى كانت له العناية الكبيرة بكتاب الله عز وجل فصنف كتابه " أحكام القرآن " وهو من أجود المصنفات فى هذا الباب حيث برز فيه علم هذا الإمام الكبير، والفقيه النحرير، فبان فيه فقهه، ودقة فهمه، وتجرده للحق، وعدم تعصبه لمذهبه، حيث قام باستنباط الأحكام الفقهية حسب ترتيب السور القرآنية معتنياً بذكر أقوال أهل العلم وخلافهم مع ترجيحه لما ظهر رجحانه لديه وفق الدليل الشرعى.